يتمتع الشناقطة مثل غيرهم من أبناء جلدتهم بحس طبي رفيع، فقد كانوا يتوسلون بالطب النبوي الشريف، حتى تراكمت عندهم عدة معارف طبية جعلتهم يقدمون أدوية لمجموعة من الأمراض التي تصيب ساكنة المدينة. لم تكن المدينة لطيب هوائها ونقائه معرضة لكثرة الأمراض، ومع ذلك رصدنا مجموعة منها يمكن أن نوجزها في ما يلي: الحمى، وتنتج عن بعض الأمراض التي يصاب بها السكان في فصل الشتاء، وفصل الصيف. ولم تكن حمة الملاريا المشخصة حديثا معروفة عند الأطباء التقليديين للمدينة. السعال، والذي يكثر في فصل الشتاء نتيجة لانخفاض درجات الحرارة. الأمراض المعوية(الجوف)، ونقصد بها كثرة التبرز والإقياء حتى يصاب الجسم بالجفاف. وقد يظهر في شكل آخر يصاب به المريض فيظهر برازه مختلط بالدماء(لية الدم) نتيجة للتقرحات المعوية. عرق النسا وهو من الأمراض التي تصيبهم وخاصة عند متوسطي العمر. الكسور بأنواعها وخاصة في الأجزاء العلوية مثل الأزناد، أو السفلية مثل السيقان. الصداع بجميع أنواعه. أمراض النساء، وخاصة ما يتعلق بالتوليد. أمراض الأنف والأذن والحنجرة. وتكثر في فصل الشتاء. أمراض العيون، وأكثرها شيوعا(الطبيقة) بسبب كثرة الضوء وتردد الرياح وتطاير الغبار، يليها ارتفاع ضغط الدم في العين، بسبب الحرارة المفرطة. ريماتزم الأعضاء حتى يصل بهم إلى الشلل في الأطراف السفلية مما يؤدي إلى أن يكون الإنسان مقعدا. ويكثر هذا اللون من الأمراض عند بعض النساء المترفات، أو عند الرجال الذين قادوا القوافل في الأسفار البعيدة. أمراض الكبد الوبائي ويسمونه(بوصفير). ولم تكن الأمراض الشائعة اليوم مثل السكري والسرطانات بأنواعها، وارتفاع ضغط الدم معلومة عند الأهالي فقد تصيب البعض دون تشخيص لها وتصيبه بالوفاة دون التأكد من النوعية. الأدوية: الحجامة: وهي من الأدوية المشهورة في الطب النبوي، ويستعملها أهل شنقيط في دواء أمراض الظهر، وفي إخراج الدم الفاسد من الرأس في حالة الصداع الحاد، وذلك من خلال إحداث جرح بسيط في الرأس ثم حجمه ليخرج الدم الفاسد فيبرأ المريض بإذن الله. كما تستعمل الحجامة في الأماكن التي تتقلص فيها الأعصاب وتحدث آلاما بها. وقد وقفت على فائدة مهمة ربما كان الشناقطة يراعونها في استعمالهم للحجامة، فإن لها شروطا لا يمكن مجاوزتها وهي عشرة: أولها: ألا تجامع في هذه الليلة تريد الحجامة في صبحها، والثاني: ألا تشبع جدا، والثالث: أن تقرأ آية الكرسي، والرابع: لا يتكلم عند الحجامة، والخامس: ألا ينظر إلى الدم، السادس: أن تغسل في الفور، والسابع: ألا تكثر المشي عند فراغه، الثامن: أن تغسل موضع الحجامة إذا أرادت الوضع، والتاسع: ألا تنام في النهار. والعاشر: تعطيه أجرا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال النبي لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا تحجم أول شهر حتى تجاوز منه خمسة عشر يوما، فإن الحجامة أول شهر يستوجب عليه الجسد، والحجامة آخره شفاء ودواء. وإياك يوم السبت ويوم الأربعاء وأفضلها يوم الثلاثاء فإنه كوكب الدم. الكي: يقول أهل شنقيط في تراثهم " كية من نار فيها شفاء" ويستعمل الكي عندهم للصداع الحاد المعروف عندهم: "ب"بورويص" فهم يعمدون إلى أخذ أبعار الإبل ويضعونها في النار حتى تحمر، ويأخذون المريض ويضعون إحدى تلك الأبعار على رأسه فترة قصيرة ثم يرمونها وبإذن الله يرتفع ذلك المرض. ويستعملون الكي في دواء أمراض الصدر(لمهاميز) وذلك من خلال كي المريض على صدره عدة مرات وفي أماكن مختلفة منه. كما يستعملون الكي في شلل الأطفال، فيلجأون إلى كي الصبي في رجليه وسيقانه وأعلى الوركين ليذهب عنه المرض. الجراحة: ويستعملون منها نوعا خاصا بجراحة عرق النسا وهو أن يقوم الطبيب التقليدي بجرح المريض في عصب أسفل القدم، وذلك بوضع آلة خاصة في النار حتى تحمر ويدخلها في العصب ليخرج الدم الفاسد ثم يجعل فيها خيطا(تجفيت) يرفعه بعد برهة من الزمن يصير فيها المريض معافى، وكلما تعافى بدأ الجرح يبرأ فيخرج الخيط حتى يلتئم نهائيا فيصير المريض إلى شفاء تام من ذلك المرض ويسمون هذا اللون بالنفدة ولا يقوم بها إلا ذوو الخبرة والدقة في إجراء ذاك النوع من العمليات. النخارة: وهي مستعملة عندهم لأمراض الأنف، وتكون إما بزبدة الغنم، وإما بزيت الزيتون وهما مسهلان لجريان الريح في الأنف وتسهيله من الإنتانات الداخلية. وهذا الزيت المحمى يداوون به أمراض الأذن فيصبونه فيها فيزيل آلامها وما بها من وجع بإذن الله. المواد الأولية لصناعة الدواء: يقوم أهل شنقيط بصناعة دوائهم من خلال مواد أولية مصدرها نباتات المدينة مثل الزرع ويصنع منه دواء حمى الملاريا حينما يغلى ويجمع ماؤه ويسقى به المريض وهو نافع بحول الله. الأرز ويصنع منه ما يعرف عندهم ب(كوسي) وهو مفيد لمن يستعمله في إيقاف سيلان المعدة. توكه، وتستعمل في إخراج القيح من الأماكن التي تحدث فيها إنتانات وخاصة في رؤوس الأصابع في اليد والرجلين. مصادر الطب العربي في المدينة لقد جمع ملاك المكتبات التي نعتقد أنها تأسست في القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين، مجموعات لا بأس بها من مؤلفات الطب العربي من أهما كتاب ابن سينا في الطب، وتوجد منه نسختان في مكتبة أهل حبت، وقد ضاعت إحدى نسخه، غير أن صورة منها على الميكروفيلم كانت موجودة في مقتنيات المعهد الموريتاني للبحث العلمي. وهناك كتاب الرحمة في الطب والحكمة للشيخ : مهدي بن علي بن إبراهيم الصبيري اليمني المهجمي المقري المتوفى : سنة 815هـ، وهو : مختصر لطيف مفيد، ذكره : ابن الجزري في ( طبقات القراء )، وهو على : خمسة أبواب. الأول : في علم الطبيعة، الثاني : في طبائع الأغذية والأدوية، الثالث : فيما يصلح للبدن في حال الصحة، الرابع : في علاج الأمراض الخاصة، الخامس : في علاج الأمراض العامة . وفي مكتبة أهل أحمد شريف عدة نتف طبية، كما لا تخلو أية مكتبة من تلك النتف المختلفة التي تحكي عن الطب التقليدي. أسماء الأطباء لقد تميزت المدينة بكثرة أطبائها التقليديين المتميزين، وقد غطوا معظم الأمراض الشائعة كما أنهم تميزوا في ميدان الجراحة التي كانت تتطلب مهارة ودربة وحصولا على مواد ضرورية لإجراء بعض الجراحات المتعسرة. وقد حصلت على مجموعة صالحة من أسماء أولئك الأطباء الذين راجت أسماؤهم منذ سنوات الثلاثينيات من هذا القرن وهم: خطري بن أحمد أحمدُّ، العافية بنت ابلال، طبيبة نساء، مريم بنت عبدالرحمن بن الإمام طبيبة نساء، وجراحة، ببوه بنت الشيخ بن حامن طبيبة نساء، رقية بنت أحمد معلوم، طبيبة عامة، النانة بنت أحمدأُمُّ الكنتاوية طبيبة عامة، فاطمة بنت أحمد بن اعل، طبيبة عامة، عبدالله بن محمد البشير طبيب نساء، وطبيب عام وجراح، بلال بن عالي طبيب أسنان، محمد بن ابوه جراح، إسلم بن أحمد بن السبتي طبيب عام، الزوين بنت بَوْبَّنِّ طبيبة عامة، اب بن محمد محمود طبيب جراح. تلك نبذة عن ما نعتقد أنه ملاحظات أولية عن التراث الطبي لمدينة شنقيط نضعه بين يدي المتخصصين راجين منهم إكماله وتحقيقه وتمحيصه. ومقصدنا الرئيس هو إبراز جوانب من تراث المدينة الضائع.