تتزايد في الفترة الأخيرة نزعات مذهبية وطائفية ومجتمعية وشرائحية مختلفة، تتخذ مشارب وتمتاح من الهشاشة الاجتماعية المتزايدة نتيجة التحولات التي عرفها ويعرفها المجتمع الموريتاني منذ عقود.
فقد رأينا لأول مرة انقساما اجتماعيا غذته السياسات الرسمية لبعض الأنظمة السابقة وربما الحالية واللاحقة ، واستغلته الحركات والأحزاب السياسية والأيديولوجية التي تريد تحقيق مكاسب آنية علي حساب المصلحة الوطنية.
كما ازدادت وتيرة التناقضات الاجتماعية بسبب السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي عمقت الفجوة بين طبقات المجتمع الموريتاني.
وساعدت سياسات الاستغلال التي مارستها النخب المتعلمة والحركات الأيديولوجية في استغلال العبودية ، ولم تكن السياسات الرسمية للأنظمة المتتالية بأحسن ، بل لجأت إلى الاستغلال السياسي والتوظيف الرسمي وشراء الو لاءات ، بدلا من مواجهة الظاهرة التاريخية الاجتماعية. بمسؤولية وكفاءة تغلق جراحات الماضي ، وتكفكف دموع الحاضر ، وتعانق أشواق المستقبل وتؤسس لمشروع اجتماعي وطني واع ونفتح يعبر عن الجميع ، ويرى في كل مواطن حقه دون تبخيس أومنة أو محاباة.
لقد ساعد التمدين السريع الذي عرفه الذي عرفه المجتمع الموريتاني والتحولات التي صاحبته علي الغوص في لجج العولمة الطاغية ، دون تحصين كاف من انعكاسات وتأثيرات الاقتصاد العالمي والقيم والعقائد والمشاعر والرؤى التي يستبطن ، فضلا عن النزعات والظواهر والعادات الاجتماعية والثقافية والصراعات التي عادة ما تكون مصاحبة لأية عملية تبادل بين المجتمعات البشرية.
وفي هذا الإطار برزت ظواهر اجتماعية وتبدلات في نسق القيم والسلوك الديني والاجتماعي والسياسي والثقافي الموريتاني ، مثل المخنثين الذين تحولوا إلي طبقة اجتماعية متميزة لها سلوكها ونظامها وطقوسها وشعائرها وربما شرائعها التي تؤسس لها، وطغت علي الاحتفاليات الوطنية والشعبية ، وخرجت من طور الاستهجان والرفض اللبق ، إلي طور القبول والرعاية والحماية من الفئات الاجتماعية الصاعدة بفضل عائدات اقتصاد الفساد، والمزاوجة بين الثروة والسلطة.
وساعد اتجاه المجتمع إلي رفع وإعلاء قيم المادة وشيوع الاستهلاك ، من تجذير هذه الظاهرة، التي رعت واحتضنت نزعات الزنى والاغتصاب والشذوذ ووفرت الملاذ الآمن لراغبي المتع الحرام ، إكراميات الخمور والمخدرات وكل نزعات الشيطان الغربي الباحث عن اللذة والمنفعة الجسدية ، بعد أن كفر بالغيب ورفض اليوم الآخر ، وطفق يعب من الملذات العاجلة على حساب الآخرة.
وعمق الفقر هذه الظواهر ، فضلا عن فشل التعليم وغياب منظومة دعوية واقعية تعطي النموذج وتهدي السبيل وتقدم القدوة ، وتجادل بالتي هي أحسن.
ولم يستطع المجال الديني الذي يعاني من خلل بسبب ذهنية التدين التقليدي وطغيان البداوة والرغبة في الاستفادة من عائدات السلطة ، احتواء المد الاستهلاكي المادي الطاغي ،فضلا عن نزعات التكفير والتطرف والتشوه الثقافي والخواء الفكري والمسخ الاجتماعي والغزو الخارجي ، فبرزت ظواهر الانتحار والشذوذ وزني المحارم وجرائم الاغتصاب ، والإلحاد والزندقة والتشيع والتنصير...
.
الأستاذ: عبد الله ميارة
لبسراج